التشكيل البصري في شعر التفعيلة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التشكيل البصري في شعر التفعيلة, اليوم الجمعة 22 ديسمبر 2023 11:52 مساءً

التشكيل البصري في شعر التفعيلة

نشر بوساطة طامي الشمراني في الرياض يوم 23 - 12 - 2023

2050065
على مدى قرون طويلة من الزمان شغلت القصيدة العربية - شكلاً ومضموناً- حيزاً كبيراً من اهتمام النقاد على اختلاف توجهاتهم، وأزمانهم، وواحداً من أشكال الانشغال بالقصيدة التي طرأت على الساحة النقدية - حديثاً - قضية التشكيل البصري في شعر التفعيلة، وهي قضية باتت من الأمور التي يُعْنَى بها بعض المبدعين الحداثيين وغيرهم في نتاجهم الشعري، وتبدت من خلال حرصهم على أن تأخذ القصيدة إطاراً شكلياً يسهم - مع عناصر أخرى - في إيصال المضمون والمغزى من العمل لجمهور المتلقين، ولا يتعارض هذا - في ظني - بكون الشعر نتاجاً لغوياً بالدرجة الأولى.
وقد اهتمت قصيدة التفعيلة - تحديداً - اهتماماً كبيراً بالشكل الذي توضع فيه الكلمات على الورق، ولعلاقة هذه الكلمات بعضها ببعض ضمن هذا الإطار، وهو ما يعرف بتقنية التشكيل البصري أو الانزياح الكتابي، وهي محاولة من القصيدة الحديثة - عند العرب والغرب على السواء - لإعطاء النص الشعري بعداً بصرياً تتعزز من خلاله عملية التواصل والتفاعل بين المبدع والقارئ بأن تستعيض من خلال التعبير بالصورة البصرية عن مبدأ التعبير بالصورة اللفظية، لذا لم يعد المعروض نصاً فحسب، بل هو إلى جانب ذلك فضاء صوري شكلي، لا يخلو من دلالة تحكمها مقصدية منتج الخطاب. وبالتالي فإن فهم النص، واقتناص مدلولاته، واستكناه إيحاءاته، لا يقع على العقل وحده، بل لا بد من تعاضد العقل والسمع والبصر.
ولعل اعتناء النص الحداثي بالتشكيل البصري قد تسرب إليه من تأثيرات الدادائية العبثية الثائرة والسريالية، وغيرها من التيارات الشعرية والفنون التشكيلية التي وجدت طريقاً إلى الشعر العربي الحديث؛ من باب التمرد على المألوف والرتيب. ولا حرج على الشعراء في ذلك، فهي محاولة لاستثمار كل الأدوات الفنية المتاحة أمامهم، من أجل تقريب النص الشعري من المتلقي، وكسر المألوف والمعتاد عليه.
وقد تجلت مظاهر الانزياح الكتابي في القصيدة الحديثة بأشكال مختلفة ومنها: تمزيق أوصال الكلمة الواحدة من خلال فك ارتباطها الطباعي كما في قول الشاعر «أحمد مطر»: «يراود جارية عن قبلة / ويراودها.../ (ليس الآن) / ويراودها.. (ليس ال آن) / ويرا.. ودها». أو تفتيت الكلمة من خلال بعثرة حروفها على الصفحة كما في قول سعدي يوسف: « كانت أجساد السمك البالغ ناعمة فوق حراشيفها / ك. و. س .ج / ك . و . س. ج/ كوسج /كوسج وكان الكوسج مندفعاً نحو الماء الأبيض». وربما يكون بناء المعنى في القصيدة يرتكز على البعد البصري المستند إلى الانتقال من النص إلى الشكل مما يقوي - بالتالي - الطاقة الدلالية، وهذا ما جعل الشعر الحداثي في شكله الجديد خرقاً للألفة الخطية التي ترسخت في خيال المتلقي في نمطية ثابتة.
وقد عني كثير من الشعراء العرب بطريقة الشكل الهندسي للقصيدة منهم: علي أحمد سعيد (أدونيس)، وسعدي يوسف، ومحمود درويش، وكمال أبو ديب وغيرهم الكثير، فحولوا قصائدهم من قصائد تقرأ إلى قصائد يمكن إدراكها أيضاً بالعين، مما أفضى إلى مضاعفة وسائل التلقي، والكشف عن بعض خفايا النص، وما كمن من مدلولاتها فالرسم الهندسي للألفاظ، والرسومات والألوان المصاحبة يوسع من دائرة الحوار بين المبدع والمتلقي، وربما أعاد المتلقي صياغة العلاقة التي أنشأها المبدع في نصه، ليحاول اكتشاف الأواصر المفقودة. ويبقى التشكيل البصري إضافة جمالية للنص الشعري، علاوة على ما يحققه من شعرية عالية، بفضل التشكيل البصري أو الانزياح الكتابي.
وتبقى كلمة: إن القصيدة العربية اتسمت بالمرونة والقابلية لاحتواء كثير من المضامين الفكرية التي تتشكل على فضاء النص ليس فقط من خلال الكلمات بل من خلال تراتبية الكلمات وفق نمط معين أو من خلال تراتبية الحروف، أو حتى تراتبية الأسطر وأشكالها المتنوعة طولاً وقصراً عرضاً وطولاً؛ بحيث يصبح المعطى الكتابي البصري مولداً للمعنى الشعري، وهو ما يمكن معه الاستشراف بتشكيلات ورؤى أخرى - قد تظهر مستقبلاً - قد تتسع لها القصيدة العربية لاستغلال مزيد من الطاقات الفنية الممكنة، وتسهم في حمل الرسالة وإيصال المراد من النص للقراء، وإنَّا لها لمنتظرون.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق